رحلة الإنسان ميم
عندما وصل إلى نهاية الطريق، كان يتسائل
بدوره عن وجوده في الحياة، لطالما تسائل ، لطالما عانى من كُل شئ، في إعتقاده كانت
المشكلة في المال، ظروف صعبة، حياة غير سوية، خيانة والدته لوالده، الهرب في منتصف
الليل مع عشيق شاب في مثل سنه، زواج والده، والتنمر عليه في المدرسة، تقريبًا لم
ير والدته مرة ثانية في حياته، ربما صدفة، صدفة غير سعيدة في مقهى في شارع جانبي،
إعتاد الذهاب عليه لملاقاة سيجارة وكوب قهوة سادة، الظلام يعم المكان، فلن يعرفه
أحد، لوقت غير طويل، يشعر بأنه غير موجود، كما حلم دومًا، تمد يدها لتقدم القهوة،
عجوز تخلى عنها جمالها، وسط العتمة، دخان كثيف، تتسائل يا للشباب الخائنين! ، لقد
هربت مع أحدهم يومًا، تحمل حقدًا لهم كلهم، يزول الدخان، يكشف عن وجه الشاب، الإبن
الذي تخلت عنه لسنوات، ولكن كيف ؟ الشكل يتغير، ولكن مازال الوحيد، أم تشعر بكل
شئ، بادلها النظرات، النظرات الصادمة، يعجز اللسان في تلك اللحظة عن قول شئ، تتحدث
العيون، وتذرف دمًا، وكأن الكون توقف للحظات عن العمل، تشرع في أن تقول شئ، يوقفها
عقلها، وتتحرك يدها، لتوضع على اليد التي تُركت في منتصف الليل، باردة، لسنوات
يتسائل أين عساها تكون ؟ ، عندما كبر لدرجة الوعي، أخبره والده أن والدته قد خانته،
هربت من النور للظلمات، وتلك اليد الباردة التي يحلم أنها تشد على يده كُل ليلة،
كانت يده، ولم تعد تستطيع أن تلك الأصابع أن تُدفئ أيادي أخرى، اليد التي تركت كُل
شئ في العتمة وهربت، لم يعد مُرحب بها، هرب، كان يهرب من شئ حلم به كُل ليلة، لم
يفكر في مواجهته، أيمنعنا الخوف من الحياة، لا بل يجعلنا جثة هامدة، صامدة في
مواجهة الأشباح، حياة غير سوية، خلقت عقل غير سوي، ربما، لام المُجتمع، لام
الظروف، ما الذي يفترض به أن يفعله ؟، أن يعود للمصنع، ويمارس حياته، لقد كره كُل
شئ، لطالما كان الخوف مُسيطر عليه دائمًا، وأخيرًا وجد شئ لم يعرفه، في عقله كان
الهروب، هرب للغابة، قرر الإبتعاد عن الناس، عادل بحق، فهم السبب في كُل شئ، صنع
من الأشجار نارًا، أشعل النيران في الغابة، قتل الأرانب، إستمتع بالقتل، وونس
برؤية الشمس كل نهار، لطالما كان الوعد الصادق الذي لم يحظ به، الذي لم يخذله،
وقبل أن ينام، تحدث مع القمر، سهرة دافئة في العراء، صادق المياه، تحسست جسده،
ورأته عاريًا، كما ولدته أمه، أحس للمرة الأولى أنه مقبول، تلمسه كُل يوم، تغطي
وجهة، وتحتضنه، وتغسل عنه كل أوساخه، إعتاد أن يضع الماضي وراء ظهره، على الرغم من
أن دموعه لم تكف عن السيل على خده، أما الآن للحزن أن ينتهي ؟ ، تسائل كُل ليلة في
جلسة بعد العشاء، كان ينقصه رفيق، فكان رفيقه أرنب بري نجح في مراوضته، يومان
وقتله، لم يأكله، فقط قتله، أيخبرنا هذا شئ ؟ ، نتاج طبيعي لتلك الرحلة، لقد تأكد
أنه لا يوجد تتويج لمسعاه بشئ آخر غير الهزيمة، بكى كالطفل، وضحك كالشاب، وحزن
كالكهل، تورمت عيناه، وإبيض شعره، تزينت أسنانه بلون الدم، ورائحته كالمدخنه،
وتمزقت ملابسه، فغطى نفسه بجلد غزال قتله وسلخه، بكى كالطفل، إنهارت دموعه عندما
رأى الأرنب يخبئ صغاره تحت أربعه، هربت التي كان من المفترض ان تقوم بذلك، أطلق
سهمه فيها، وتسائل على العشاء وهو يتناول لحمها، كيف يشعر صغارها، حزين كما لم
يحزن من قبل، وحيد كما إعتاد أن يكون، في ليلة قمرية، سمع صوتًا، همسًا ربما،
إستيقظ مفزوعًا، وأحضر سهمه، يتوارى عن الأنظار، القمر يكشف المكان، عجوز ذات لحية
كثيفة بيضاء يسير بعصى، ويمشي مُنحنيًا، سار وراءه وراقبه وقال بصوت عال مُهددًا :
أيها العجوز ، ماذا تفعل في الغابة ؟
لم يرد العجوز بالطبع وظلت خطواته تكشف عن
كبر سنه، عن مرضه وعن حكمته أيضًا، كرر سؤاله مره أخرى مُهددًا فرد عليه بدون أن
يلتفت :
ليس من الحكمة أن تُهدد عجوزًا ..
وضع سهمه جانبًا وسار وراءه :
ما الذي تفعله في هذا الوقت المُتأخر أيها
العجوز ؟ هل يمكنني أن أساعدك ؟
ضحك العجوز فسأله:
على ماذا تضحك ؟
تريد أن تساعدني ولا تعرف كيف تُساعد نفسك،
وترفض المُساعدة
تتحدث كأنك تعرفني ..
تتحدث الأرانب لي ، عن شاب يمزق أبناء جنسها،
الواحد تلو الآخر، أترى فيهم أشخاصًا بعينهم ؟
أنت لا تعرف أي شئ أيها العجوز ..
وأخيرًا إستدار العجوز، كشف عن وجهه الصغير
ولحيته البيضاء الكثيفة، وعيناه المُتورمة، فقال :
أعطني يدك ..
نظر فيها، فإمتعض، وتبدلت ملامحه للشفقة
ولامست أصابعه بحنيه راحت كفه الصغير فقال :
خطوط ملتوية، وظلام مُستمر، أشفق عليك ؟
هل تقرأ المخفي ؟
إحذر مما تتمناه يا فتى
أريد أن أعرف ما نهاية حياتي ؟
وبعد تردد تناول راحت يده وقال :
مسيرة ألف شهر نحو النور، مُتعبة، أرى شخص
يختنق بالماضي، أنت بعيد عن المنزل أيها الشاب، لن تأويك الغابة، ولن يسعك الناس،
لن تريحك الغربة، ولن تحتضنك السماء، أخشى أنك لن تنال ، وإن نلت لن ترتاح، وإن
إعتقدت أن الحزن سيأويك، أنت مخطئ كما إعتدت أن تكون، والخطأ غير معصوم منك، تهرب
من شئ لن يفيدك الهرب، وما ذنب البرية من خطأ أولاد آدم، تُركت وتحقد على الأرانب،
كما قتل إبن آدم أخاه ويحقد على الغراب.
إستيقظ مع شروق الشمس، شد على يده، لم تكن يد العجوز هناك، ووجد نفسه في العراء، مُستلقي على الأرض، ولأول مرة لم يأنس برؤية الشمس، بل كان الوعد الحق، أعلى شجرة، رأى فيها هدفًا، حاول تسلقها، توقف عن قتل الأرانب، الدائرة التي تناسبه كانت حبلًا ، أدخل رأسه فيها، وأحكم رباطها، لم يعرف الحرية قط على الرغم من أنه كان حُرًا، ليست الحرية شئ يستطيع المرأ أن يتعرف عليه، سوف يغادر، بطريقه تناسبه، الحرية كما أرادها، ولأول مرة وعند غروب الشمس غادر الحياة.
ما شاء الله ... استمر
ردحذفسالفل عليك يابو عطاااا عااااااش من قلبي
ردحذفحبيبي
حذف