العاشرة بتوقيت فبراير - قصة قصيرة

 كانت العقرب الكبير قد تجاوز العاشرة بدقائق، بينما نظرت إلى الساعة ونظرت مرة أخرى على الطريق، تتساقط الأمطار ويقل عدد سيارات الأجرة في ذلك الوقت، ثم أخيرًا إضاءات كشافات التاكسي قادمة من بعيد، أشرت بيداي، كما لو كُنت تائهًا في صحراء ورأيت قافلة قادمة، حتى توقف السائق، لم اسأله إن كان ينوي الإتجاه لحدايق القبة أو لا ولكنني سأجعله يذهب على أي حال، لن أدع له إختيار.

بقالك كتير على الطريق ؟

أيوه ..لدرجة إن إفتكرت إن مش هروح ..هو ليه الدنيا بتمطر جامد ، سواقين التاكسي بيروحوا ، صحاب المحلات بيقفلوا ، الكافتيريات بتقفل برضو ...

يا باشا انت فاكرنا في أمريكا ..؟

لا أعلم ما سر ذلك مع أمريكا ولكنه بالطبع شئ غريب، وكُنت سأسأل عن ذلك السر ولكنني فضلت عدم الخوض في مناقشات مع سائقين التاكسي، فتحت هاتفي كُنت قد أغلقته منذ الصباح، لقد أنهيت خطوبتي مساء الأمس، وليس هناك شئ قد يعيدني إليها مرة أخرى سوى الندم، ولن يعيدني إلى الندم سوى مكالمات الأهل والأحباب، العديد من الرسائل، والمكالمات التي حاولت الإتصال بي، لم أستطع حتى قراءة الرسائل، قبل أن تنهال المكالمات من جديد، حسنًا إنها أمي سوف أرد بالطبع..

نعم ياماما ..أنا بخير..كويس...جاي في الطريق...كله تمام ...هرجع ونتكلم ...سلام.

مجرد كلمات لطمأنتها على حالي، فلابد أنني قد أقلقتها كثيرًا بعد نزولي بالأمس، وبعد ما حدث، قطرات المطر تضرب النافذة بقوة ، لقد بدأت تمطر بغزارة، والطريق لا يظهر فيه الكثير من الملامح.

على مهلك يسطا ..مشي براحة عشان المطر ده ...

ما لازم أمشي براحة ..بس أنا مش شايف أي حاجة قدامي خالص ..

تتحرك المساحات جاهدة على الزجاج الأمامي لتمسح المياه وتسمح بالرؤية ولكن الرؤية تنعدم مرة أخرى بسبب كثرة المطر على الزجاج الأمامي.

هاتف السائق يرن، هاتف صغير يرن أكثر من مرة وفي كُل مرة ينظر السائق إلى الهاتف ولا يرد، يلقى بالهاتف بعيدًا على الكرسي، أشاهد ذلك من المقعد الخلفي ولا أكترث ولا أتدخل، وأعاود النظر إلى هاتفي، وأقرأ رسائل أصدقائي بعد أن نشرت بوست بالأمس أنني قد أنهيت خطبتي.

يرن الهاتف مرة تلو الأخرى حتى ييأس السائق من إنهاء ذلك، فيرد :

عايزة ايه ...في ستين داهية ...

وتتساقط الأمطار، فيقف قليلًا في العتمة، يحاول أن يتبين طريقه ولا يرد على المكالمة، ويسود الصمت قليلًا، حتى تصطدم السيارة بصخرة قوية على الطريق، ثم يخرج ثلاث رجال، لا أراهم إلا عند إقترابهم من باب السيارة، يفتحونه بكل عنوة، ويحاول السائق المقاومة، وغلق الباب ولكن الكثرة تغلب القوة، فيفتح آخر الباب من الناحية الأخرى، ويدفعه نحوه، ثم يجره الآخر من قدميه خارج السيارة بينما هو يصرخ ولن يسمعه أحد، أشاهد ذلك من المقعد الخلفي وأخشى القيام بأي حركة، يسحبونه أمام السيارة، أحاول أن أشاهد شيئًا، يجلس راكعًا على ركبتيه، ثم يلكمه أحدهم، بينما يسدد الآخر ضربة بقدميه ناحية بطنه. ويتشاجرون معه فلا أسمع ما يقولون، ومازلت في المقعد الخلفي، لا أعرف هل أنزل أم يتوجب علي الهرب، أم أساعده بأن آخذ بعض اللكمات مكانه، لأنه من الواضح لأن أعرف كيف أتغلب عليهم بمفردي وإنقاذه، ثم أمسك هاتفي وأتصل على البوليس..

ألو...أنا في مكان مش عارفه وهفتح الجي بي اس حددوا المكان احنا اتخطفنا وفي ناس بتحاول ...

ثم يأتي أحدهم بعصاه، فيضرب الزجاج،ينكسر في وجهي، وتنسال الدماء من يدي، أصرخ وألقي بالهاتف فيسقط تحت المقعد، فيجرني من ملابسي حتى أخرج بدون مُقاومة، ويضعوني إلى جواره ويسألونه :

مين دا ؟

زبون كُنت بوصله ...

يسألني على ما يبدو زعيمهم :

والزبون بقا كُنت بتكلم مين ؟

أصمت ولا أرد، فيقول :

كُنت بتكلم البوليس ...أصل إنت متعرفش الراجل دا عمل ايه ؟ ...الراجل اللى انت عايز تحميه ده ...

ثم يوجه كلامه ناحية السائق ويقول :

بص يالا ...المأذون هيجي دلوقت وتطلقها ونخلص ..مترجعش البيت دا تاني ..انت سامع كلامي ...

يأومأ برأسه أنه موافق، يبدو أن هناك مشكلة، ينظر زعيمهم في هاتفه ، ويأخذه بعيدً، وقبل أن يتحرك يُخبر أحدهم :

أدبهولي ...علم عليه ..

ويبدأ الآخر في الضرب فيه بكل قوته، من كُل ناحية، حتى تنزف أنفه، وزعيمهم بدأ أنه في النهاية يختفي في الظلام، وتتحرك السيارات الآتية بكل خوف ولا يقف أحد، وأنظر مرة على السائق وهو يُضرب بينما يقف بجانبي أحدهم، وأنظر مرة أخرى إلى التاكسي، حيث أسمع رنات هاتفي.

يأتي زعيمهم ثم يخبره :

خلاص يا سيكا ...متوسخش ايدك ..قولي بقا يا هندسة ..إنت كُنت بتعمل ايه في التلفون ؟

ويشعل سيجارته ويستند على السيارة.

كُنت بتتصل بمين ...؟ أصل لو إنت عايز تنقذ دا مننا ..تبقى غلطان ..على فكرة إحنا مش بلطجية ومش بنرمي بلانا على حد ...دا تخليص حق يابا ..الراجل دا نصب على أختي ...أختي دي اللى هي مراته ..وكان بيكلم بنت تانية وراها ..بنت تانية زبونة زي حضرتك كدا ...ركبت معاه في التاكسي وتلفونها وقع وهكره ..أخد التلفون وهددها بصورها ...ولما أختي عرفت ونصحته ضربها ...

لم أكن أعرف ذلك ، وبالطبع لم أبالي ..حتى رن هاتف الزعيم مرة أخرى فقال :

سيكا ..المأذون على أول الطريق هطلع أجيبه عشان مش شايفنا ، خلي بالك من البقف ده اوعى تموته قبل ما يطلق ..

تفحصته وبضعة جروح له ، فقال لي :

بخير ..متقلقش ..

وأثار ضحكة أغضبت سيكا ولكنه لم يتحرك لفعل شئ فقال :

انت عارف ان البنت دي خطيبها فسخ خطوبتها معاها ..

نظرت إليه ولكنني لم أصدق، بينما تدخل سيكا ولكمه مره أخرى، ليضعه طريحًا على الأرض، ووصل زعيمهم ، وقد أحضر المأذون، ليمسك به ويجعله يمضي على الطلاق.

أشاهد المنظر من بعيد، ينظر لي سيكا مرة وأنظر له مرة أخرى، قبل أن تدوي صافرات سيارات الشرطة المكان من بعيد قادمة، وتسقط منه سكينًا ، فيهرب الجميع بينما أجلس أنا على ركبتي، أقترب منه وأسحب السكين وأذهب إلى السائق، يضحك ويخبرني :

جروا ولاد الكلاااب ..

اسم البنت ايه اللى انت خطفت منها الموبايل ؟

مش فاكر ..

اسمها ليلى ؟

تقريبًا حاجة زي كدا ...استنى ..عرفت منين ..

لم أشعر بنفسي ، غير ويداي ملطخة بدماءه، ناظرًا له غارقًا في دمه، الشرطة اقتربت في المكان، الأسلحة مصوبة نحوي، أجلس على ركبتي وأضع يدي خلف رأسي وتسقط السكين مني.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرابعة والنصف مساءًا بتوقيت دوسلدورف

حامل المخطوطة في ظلام أبدي ( قصة قصيرة )

فرحة البدايات - أول أسبوع في ألمانيا