قبل كيرة والجن، من قتل بطرس غالي باشا ؟

 قبل أيام تم عرض فيلم كيرة والجن عن رواية 1919 للكاتب أحمد مُراد، الذي لطالما كان مُدهشًا على ورقة الكتابة، فما بالك في ورق السيناريو، سوف يكون مُدهشًا أكثر، وعلى الرغم من أن أحمد مُراد يرى نفسه أنه مُصور جيد في الكتابة ، حيث يخلق مشاهد وأحداث بإستخدام الأحرف والكلمات، إلا أنني أرى أن موهبة مُراد تظهر اكثر في الحوار، ولأن الفيلم يعرض بطولات عبد القادر الجن وأحمد كيرة في التخلص من قيادات بريطانية في فترة الإحتلال الإنجليزي لمصر تحديد في العام 1919، فأجد أننا يمكننا أن نعود بالزمن قليلًا لنكشف عن أهم حدث في ما قبل تلك الفترة هو محاكمة دنشواي التي أدت في النهاية لمقتل بطرس غالي.

كوزير للعدل ورئيس محكمة دنشواي بالإنابة عن وزير الحقانية في العام 1906، وافق على الإعدام لعدد من الفلاحين يقدر بأربعة فلاحين والجلد والسجن لآخرين، ومن هنا زاد إحتقان الشعب تجاه سياسات بطرس غالي التي لم تنفك أن تضع كل مرة حجرًا فوق طاقة المصريين لصالح البريطانيين، حتى أثناء إدارته للوزارة المصرية، كان يؤيد البريطانيين وسياستهم وبالطبع لم يكن السياسي المُفضل للفلاحين، الذين لطالما أنهكهم بالقوانين التي وافق عليها لصالح البريطانيين من تقديم إيتاوات وغيره، وحتى وصل قدره.

إبراهيم ناصف الورداني - طبيب صيدلي

بعد حادثة دنشواي وترقي بطرس غالي باشا وتحديدًا في يناير عام 1909 ، عاد شاب مصري يُدعي إبراهيم ناصف الورداني بعد رحلة دراسة إمتدت لسنوات، ساعده فيها أحد أقاربه البشوات للحصول على البكالريوس في الصيدلة من سويسرا ثم إلى إنجلترا ليحصل على الماجستير في الكيمياء ثم ليعود إلى مصر، وبمشاركة قريبه الباشا يفتتح صيدلية في شارع عابدين في القاهرة.

وكأي شاب وطني يشغله ما تمر به بلده في حربها مع الإنجليز، تقابل مع محمد فريد وأعجب به ودعاه للإنضمام إلى الحزب الذي أسسه وتوالت الأحزاب التي إنضم إليها الورداني حتى أنه قد صار يكتب إلى جريدة اللواء وجريدة المؤيد ولم يكتف بذلك بل وقد أسس جمعية التضامن الأخوي أيضًا.

في جمعية التضامن الأخوي، قد نص قانونها ورسالتها على أنه من ينضم إليها سوف يكتب وصيته بيده، كما أنها جمعية إنتحارية، وقد توالت تشكيلات الحياة اليومية السياسية في مصر حتى صار إبراهيم ناصف الورداني على بُعد مقاعد من بطرس غالي باشا في مُناقشة مشروع قانون تمديد إمتياز قناة السويس والذي كان يرفضه الشعب رفضًا تامًا لأن ذلك سوف يطيل من بقاء وتدخل المُستعمر الإنجليزي والأيادي الخارجية في شئون مصر، وخرج من الجلسة حانقًا وعازمًا على وضع حدًا لحياة بُطرس غالي الذي دافع وبشدة عن المشروع.

إغتيال بُطرس غالي باشا - أول جريمة سياسية في مصر

لو صنفنا إغتيال سليمان الحلبي لخليفة نابليون في مصر الجنرال كليبر، فيصبح إغتيال بطرس غالي هو أول جريمة سياسية في مصر

وفي 20 فبراير 1910، كان يخرج بطرس غالي من قصره، حيث تم إغتياله من قبل الورداني وتم القبض عليه ومثوله للمُحاكمة، التي إعترف فيها أنه قد خطط ونفذ عملية الإغتيال لوحده، وفي تلك الأثناء حضر أربعة من المُحامين للدفاع عنه في أبريل من نفس العام، ووجهت إليه تهمة القتل العمد مع الإصرار على الرغم من إعترافه أنه قتل بطرس غالي لأنه خائنًا للوطن وأكد في شجاعه أنه غير نادم على ذللك وعلى الرغم أن المُحتل حاول وضع بُعدًا دينيًا للمُحاكمة إلا أن الشعب قد تصدى لها في ترابط.

مُحاكمة إبراهيم ناصف الورداني

دافع مُحاميو الورداني عنه بأنه مُختل عقليًا مرة وأن الرصاصة لم تقتل بطرس غالي بل العمليات التي جرت بعد ذلك لإستخراج الرصاص هي ما قتلته، وأنه كان لا يزال حيًا عند وصوله للمستشفى فتم تشكيل لجنة طبية من طبيبين إنجليزيين وطبيب مصري لتحديد سبب الوفاة، الطبيب المصري أكد أن سبب الوفاة جراء العملية التي أجريت لإزالة الرصاصة أما الآخريين نفيا ذلك مأكدين أن الموت نتيجة الرصاصة، أما النائب العام عبد الخالق ثروت ذكر أن الجريمة المذكورة سياسية ناتجة عن دوافع سابقة بسبب مُحاكمة دنشواي التي ترأسها بطرس غالي باشا في العام 1906 وطالب بالإعدام على الورداني.

رفضت المحكمة التي ترأسها دلبر وجلي كل تلك الإدعائات وحكمت بالإعدام على الورداني،وفي صباح 8 مايو في نفس العام قد أحيلت أوراق الورداني لمُفتي الجمهورية آنذاك الشيخ بكري الصدفي إلا أنه تعاطف وطلب إجراء مراقبة عقلية للورداني وكانت تلك سابقة ألا تأخذ المحكمة برأي المفتي وتشرع في تنفيذ الحكم

تحول الورداني إلى بطل قومي وإنتشرت صوره في المقاهي وتغنى العامة بإسمه حتى أنه قد صدر قرار بعدم الإحتفاظ بصور الورداني في الأماكن العامة ورفعها وظل القرار ساريًا حتى يوليو 1952.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرابعة والنصف مساءًا بتوقيت دوسلدورف

حامل المخطوطة في ظلام أبدي ( قصة قصيرة )

فرحة البدايات - أول أسبوع في ألمانيا