كان هناك ....

 






كان هناك كاتب قال ذات مرة، ولكنني أظنها بداية مُبتزلة لموضوع مُثير، لذا سوف أبدأ من النهاية، لقد مات الكاتب حينما كان يعيش حياته مثل الجماد، حينما صدق أن الحب موجود، وبدأ يتغنى به في رواياته، مقالاته، وربما ندواته، وجلوسه وسط الناس، لطالما رأى هذا الكاتب أنه لو كان يحي حياة قديمة، لكان أفضل الآن، مُنغمس فقط في رواياته وكُتبه، يسعى للمجد، ويتحدث مع الناس بين الحين والآخر، في الحانة، حيث يقطن، أسفل الجبل، بجوار النهر، عند شجرة كبيرة، يجلس بجوارها العُشاق، يرددون الشعر، والقصائد الرومانسية، كما يجلس هناك المُفترقون عن بعضهم البعض، وأنه لو ظل يطارد المعنى بدلًا من مُطاردة لقمة العيش، لو كان يجب عليه أن يستمع فقط للناس كُل يوم ثلاثاء، وبالتأكيد لا تحبه عاملات الحانة، يسيرون بين المنضدات، بين الجالسين، ومنهم السكارى أيضًا، ليرفعوا كأس نبيذ آخر، فتنبصق على رأسه معاناة جديدة، حال تلك الفتاة المسكينة، ولأنه كُل مرة يستسلم لذلك، ويظهر على وجهه تجاعيد الإكتئاب والقلق، فيلهيه أن يرى جمال مالكة الحانة، سيدة ذات شعر أحمر، وأعين خضراء، لقد إنغمس في معاناته المُسكين، فجعلته ينسى ندواته، وأي ندوات للسكارى، يا للشهوة!.

كان هناك كاتب قال ذات مرة " يجب أن نموت "، وماذا في ذلك، كُلنا يجب أن نفعلها مرة أخرى، فلقد فعلناها كثيرًا، أترى ذلك الجمال أيها الكاتب، لقد مُتنا مرة عندما لم نقدره، ولو أنك في طريق عودتك للمنزل، لم ترى أي شئ، فتلك ميتة كبيرة ..وعندما لم يعجبه رد أحد القُراء، فقرر أن يغير أسلوب حياته، ترك الحبر، وذهب للحرية، لقد كان يشعر بالحرية في الكتابة، ولكنها كانت حرية وهمية، أراد أن يشعر بالحرية الجسدية، وقف على حافة، وصعد فوق قطار، وقف عاري في البحر وسط الجبال، وعلى الرمال، صرخ بأعلى صوت، ولم يسمعه أحد، فصعد على حافة جبل، وألقى بنفسه في النهر، أخرج رأسه من المياه، ونظر حوله، عاري ومجنون، لقد شعر بالحرية أخيرًا، لقد كان ميتًا طوال حياته.

كان هناك كاتب ذات مرة لم يقل شيئًا، فقط شعر بالكثير، كان مُكتئبًا حينما تطلق أبواه، عاش تلك المُعاناة مُنذ الصغر، أن يشعر أنه المسؤول عن دمار عالمه، أن والده لا يحبه وأن أمه لا تتقبله، لم يكن مُقدرًا له أن يشعر بأي شئ آخر، لازمه هذا الشعور، حتى كتب لأول مرة رسالة إنتحاره، لم يتحدث، فقط كتبها، أطلق شعوره في هيئة كلمات، كان هذا شيئًا حزينًا، فلقد كتبها بطريقة جيدة، تصلح لأن يصبح كاتبًا، حينها إنتبه والداه منها، ولكن الآوان قد فات.

كان هناك كاتب ذات مرة شعر بالوحدة، وخرج من غرفته ليواجه الناس، هؤلاء القوم الذي ظل يكتب عنهم طوال سنوات، عن كيف أن العيش معهم هو أفضل طريقة للموت، وظل يلازم غرفته وريشته وأوراقه، ثلاثة أشياء بسيطة ولكنها حكمت حياته، وتمحورت حولها، حين تعطش للحديث مع شخص ما، خرج للسوق، وسمع كلمات، كلمات نسى مُتحدثيها، ولكنها مازالت تتناقل، شعر بالإختناق، قال لأول مرة مُنذ سنوات " فليعطني أحد ريشة بدون أن يقتل النعام ".

كان هناك كاتب يحب الكتابة ويخجل من كونه كاتبًا، كان يكتب لنفسه فقط، إحتفظ بتلك المهنة لنفسه، كان يلتزم بها، في كل ليلة يكتب ساعتين قبل النوم، وقبل وبعد ذلك، كان يؤدي دوره جيدًا في الحياة، ممثل إجتماعي لامع، لذلك حافظ على النجاة لسنوات، وكاتب بتلك الخبرة الإجتماعية والنضج، كان قادرًا على أن يأسر قلب إمرأة، في اليوم الأول لزواجهما، سألته إن كان يخفي شيئًا ما، أقسم لها لا، وكان له عشيقة، آلته الكاتبة، كان يخفيها جيدًا، وعندما تنام زوجته، يبدأ مع عشيقة آخرى لساعتين، ذات ليلة، كانت تراود الكوابيس زوجته، وعندما إستيقظت مفزوعة، لم تجده بجوارها، وجدته يجلس مع آلته الكاتبة، فتطلقت منه.

كان هناك كاتب ....إفتقد الكتابة، فهرع إليها في منتصف الليل وكتب كُل ماسبق...











تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الرابعة والنصف مساءًا بتوقيت دوسلدورف

حامل المخطوطة في ظلام أبدي ( قصة قصيرة )

فرحة البدايات - أول أسبوع في ألمانيا